سليلةُ الأنبياء صفية بنت حيي -رضي الله عنها-
- التعريف بها:
صفية بنت حيي بن أخطب، من الخزرج: من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت في الجاهلية من
ذوات الشرف، وكانت تدين باليهودية، من أهل المدينة، وتزوجها سلام ابن مشكم القرظي، ثم فارقها
فتزوجها كنانة ابن الربيع النضري، وقتل عنها يوم خيبر، وأسلمت، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت -رضي اللَّه عنها- سخية كريمة؛ فقد أهدت إلى السيدة فاطمة الزهراء وبعض أمهات المؤمنين
حلقات من ذهب، وتصدقت بثمن دارها قبل وفاتها.
وقَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ:
"كانت صفية عاقلة حليمة فاضلة رَوَيْنَا أَنَّ جَارِيَةً لِصَفِيَّةَ أَتَتْ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، فَقَالَتْ: إِنَّ صَفِيَّةَ تُحِبُّ
السَّبْتَ، وَتَصِلُ اليَهُوْدَ. فَبَعَثَ عُمَرُ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ:أَمَّا السَّبْتُ، فَلَمْ أُحِبَّهُ مُنْذُ أَبْدَلَنِي اللهُ بِهِ الجُمُعَةَ؛ وَأَمَّا
اليَهُوْدُ، فَإِنَّ لِي فِيْهِمْ رَحِماً، فَأَنَا أَصِلُهَا.ثُمَّ قَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ قَالَتِ: الشَّيْطَانُ.
قَالَتْ: فَاذْهَبِي، فَأَنْتِ حُرَّةٌ".(1).
توفيت -رضي الله عنها- في رمضان سنة 50 من الهجرة -في خلافة معاوية بن أبى سفيان رضي الله
عنهما- ودفنت بالبقيع بجوار أمهات المؤمنين، رضوان اللَّه عليهن أجمعين(2).
ذكر بعض مواقفها الاحتسابية:
الموقف الأول:
لما نصر اللَّه المسلمين على اليهود في خيبر نصرًا كبيرًا، وكانت هي من بين السبايا، قال لها رسول
اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لم يزل أبوك من أشدّ اليهود لى عداوة حتى قتله اللَّه تعالى.. يا صفية، إن
اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك". فقالت: يا رسول
اللَّه، إن اللَّه يقول في كتابه:﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر:7]. وأنا قد هويتُ الإسلام وصدَّقْتُ بك
قبل أن تدعوني حيث صِرْت إلى رَحْلِكْ، ومالي في اليهودية أرَبٌ، ومالي فيها والد ولا أخ، وخيّرتني الكفر
والإسلام، فاللَّه ورسوله أحبّ إلى من العتق وأن أرجع إلى قومي.(3)
فانظري أيتها المحتسبة في مثل هذا الموقف العظيم، من صفية -رضي الله عنها- حيث إنها قد جعلت
قضية إيمانها بالله تعالى هي قضية موت أو حياة وليست أماني.
ولعل من أبرز الدروس المستقاة للمرأة المحتسبة من هذا الموقف أن صاحبة الدين القويم والعقيدة
الصحيحة ينبغي أن لا تساوم فيها أو تحيد عنها، بل تجاهد من أجلها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.
فيجب على المرأة المحتسبة أن تستيقظ وترفض المساومة على الثوابت أو التلاعب بالعقائد, وأن يعرف
الجميع أن روح الأمة أقوى من كل شيء، وعدم المساومة على مبادئ الحق والهدى.
فالمغريات بالانحراف والضغوطات الحياتية المتزايدة, تدفع إلى التنازل عن بعض المبادئ والقناعة من
أجل تحقيق بعض الرغبات والمصالح.
وإن التمسك بطريق النجاة وسبيل أهل الاستقامة أمر ليس بالهين والسهل وبخاصة في واقعنا المعاصر،
بل إنه يحتاج إلى مزيد عناية بالشرع، والتبصر بالدين، والإخلاص لله عز وجل والتواصي بالثبات عليه، وتجنب أسباب الانحراف، والتماس أسباب الثبات وسؤال الله عز وجل قبل ذلك وبعده الثبات على الدين
الصحيح، وتصريف القلب على طاعته. وإذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم- وهو أعلم الخلق بربه
وأقربهم إليه وسيلة، وقد رأى من آيات ربه الكبرى قد قال له ربه سبحانه: ﴿وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ
إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ [الإسراء:74] فمن سواه أحوج إلى التثبيت، وفي هذا تأكيد على أهمية الدعاء وسؤال
من بيده التثبيت والتوفيق سبحانه.
وليس لصاحبة الدين، أن تقبل المساومة في دينها، والتنازل عن شيء من عقيدتها.. إنها كل لا يتجزأ..
فإما الحق، وإما الباطل.. وفى سبيل الحق تتحمل المرأة المحتسبة ـ في إيمان وصبر ـ كل ما يعرض له
من فتنة وبلاء..
يقول "آزاد": " الإسلام من أوله إلى آخره دعوة عامة إلى البسالة، والجرأة؟ والتضحية، والاستهانة بالموت
في سبيل الحق.. وقد ابيضت عين الدهر، ولم تر مثل هذه التضحيات الكثيرة في إعلاء كلمة الحق التي
قدمتها الأمة الإسلامية في كل دور من حياتها..........(4)".
الموقف الثاني:
موقفها الاحتسابي مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان-رضي الله عنه-:
وقد وقفت السيدة صفية بجانب الحق حين تعرض أمير المؤمنين عثمان بن عفان للحصار في منزله،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:كُنْتُ مِمَّنْ حَمَلَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ جَرِيْحاً مِنْ دَارِ عُثْمَانَ، وَقُدْتُ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ،
لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ، فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ، فَضَربَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا، حَتَّى مَالَتْ، فَقَالَتْ: رُدُّوْنِي، لاَ يَفْضَحُنِي هَذَا
الكَلْبُ.قَالَ: فَوَضَعتْ خَشباً بَيْنَ مَنْزِلِهَا وَبَيْنَ مَنْزِلِ عُثْمَانَ، تَنقُلُ عَلَيْهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ.(5)
فلكي أيتها المحتسبة أن تقتدي بتلك المرأة المحتسبة، وأن تتعلمي منها التضحية من أجل الحق وأهله،
لقد ضربت هذه المرأة -رضي الله عنها- أروع الأمثلة في التضحية من أجل الحق.
وكمال التضحية من أجل الدين يتم بسبعة أمور:
التضحية بالنفس..
والأهل..
والوقت..
والمال..
والجاه..
والدار..
والشهوات.. كما فعل ذلك الأنبياء والصحابة.